السبت، ديسمبر 05، 2009
الأمة العربية
بتاريخ 1:31 ص بواسطة عمار بن طوبال
الأحداث الأخيرة كشفت الكثير مما كنا نخفيه تحت الشعارات البراقة التي تتحدث عن الأخوة والعروبة والمصير المشترك، لندرك وبسبب مباراة في كرة القدم أن الكثير من الثوابت والمقدسات التي تربت عليها أجيال بأكملها لا يمكن أن تصمد أمام أحداث صغيرة كان يمكن التصرف معها بشكل مختلف عما حدث.
كنت في بداية الأمر لا أريد الدخول في هذه العاصفة رغم أن قوة الجذب كانت شديدة وقادرة على استدراج أي شخص يرى أن له ما يقوله (حق أو باطل )، لأن أهم ما ميز الحرب الإعلامية الأخيرة هو غياب العقل لدى كلا الطرفين الذين داس كل منهما على مقدسات كان يجب أن تظل بمنأى عن التجاذبات الظرفية التي تحدث بين الدول والشعوب العربية بين الفينة والأخرى.
قد يرى البعض أن الأحداث الأخيرة ساهمت في خلق إحساس عارم بالوطنية لدى كلا الشعبين الجزائري والمصري، وكشفت عن ترابط والتفاف نادرا ما يحدث بهذا الحجم حول قضية واحدة صورت على أنها مصيرية، هذا شيء ايجابي وهو واقع لا يمكن انه إنكاره رغم أن هذا الالتفاف وصحوة الوطنية ما هو سوى إحساس ظرفي سرعان ما يزول حين نعود ليومياتنا البائسة التي لا نكف عن التبرم والشكوى منها لأنها لا ترضي احد.
هذا على المستوى القطري لكل بلد، حيث نجحت الأنظمة الحاكمة هذه المرة على التماهي مع طلبات ورغبات شعوبها، أما على المستوى القومي، فاعتقد أن شعاراتنا الكبيرة وتلك التي كنا نسميها مقدسات هي الخاسر الأكبر، فنحن قد جعلنا العروبة والأخوة والدين واللغة المشتركة شعارات مدانة من طرف البعض وقابلة للتنازل عنها حين تتعارض مع المصلحة الوطنية ( رغم ضبابية التعارض الذي يتحدث عنه البعض)، لهذا وقع التأكيد من ظرف إعلاميين ومثقفين على فرعونية مصر في مقابل امازيغية الجزائر مع تجاوز نقطة الاشتراك السياسية وهي العروبة، رغم اعتراض الكثيرين على هذا التجاوز الذي وقع فيه البعض وسوقوا له كحل لفك رباط الأخوة.
النتيجة التي يمكن استخلاصها من الأحداث الأخيرة هي أن الرابط بين الشعبين المصري والجزائري والمتمثل أساسا في الإسلام والعروبة والإحساس بالانتماء المشترك للأمة العربية، اكتشفنا في لحظة أنه مجرد شعار يرفعه الرسميون ويتحدث عنه المواطنون كعادة درجوا عليها منذ الصغر وتلقفوها عبر مراحل التنشئة الاجتماعية في المدرسة والمسجد والإعلام، دون أن يكون له وجود قوي ومثر في سلوكياتنا اليومية وفي نظرتنا لبعضنا البعض التي يفترض أن تبنى على أساس تلك الشعارات، اكتشفنا في لحظة أن الشعارات البراقة غير متجدرة اجتماعيا بالشكل الذي كنا نظنه وأن العلاقة التاريخية والمصالح الإستراتيجية غير قادرة على الصمود أمام المصالح المرحلية ( التأهل لكأس العالم هنا )، واكتشفنا أن الأخ قد يتحول إلى عدو حين يهدد مصلحتي، فنحن لم نراعي المصلحة الجمعية لما نسميه الأمة العربية.
لهذا اتفق معك حين تقول أن " الرابط بين شعبين يستلزم شغلا جادا وليس لصقا تلقائيا "، وهذا الاشتغال الجاد على العلاقة بين الشعبين وبعبارة اعم بين الشعوب المشكلة للأمة العربية أرى أنه يمر عبر مراجعات جذرية لمفهوم الأمة العربية نفسه، ومن بعده لمفاهيم أساسية تربت عليها أجبال بكاملها كمفهوم القومية العربية الذي تراجع للخلف منذ سنوات عدة فاسحا المجال ( تحت تأثير الأزمات العربية الحادة ) لصالح مفاهيم ودعوات تمجد الانتماء القطري رغم أنها لا تلغي بتاتا الانتماء العربي لكنها تحصره في مجرد رابط روحي ووجداني لا يلتقي بالواقع كثيرا حين ننتقل لمجال الممارسة السياسية ولمجال الدفاع عن المصالح المشتركة للأمة العربية.
أزمة الأمة العربية تتجلى على الصعيد السياسي في تحول الهيكل التنظيمي الجامع للدول العربية وهو جامعة الدول العربية إلى مجرد هيكل بيروقراطي لا تأثير فعلي له على السياسات الوطنية لكل دولة عربية، فكل بلد ينطلق في سياسيته الخارجية من مصالحه القطرية، ويبنى سياسيته الخارجية على أساس ما تسمح به ظروفه الداخلية ومساحة المناورة المتاحة أمامه، دون أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة وجود سياسية غربية تكون الإطار العالم الذي تنبني داخل إطاره السياسات القطرية.
وهذا التشتت على المستوى السياسي نجده أقل حدة على المستوى الفكري والنخبوي الذي انبت داخل إطاره فكرة القومية العربية ومفاهيم المصير المشترك والأمة الواحدة ذات الماضي المجيد، إذن فإن فكرة القومية العربية هي فكرة ثقافية قبل أن تكون مطلب سياسي لدى النخب الحاكمة في الأقطار العربية، ونظرا للتجاوب الشعبي مع اشتغالات المثقفين على مفهوم القومية والأمة العربية، فقد وجدت النخب الحاكمة نفسها مضطرة لمجاراة الطموحات الشعبية والنداءات النخبوية لأمة عربية واحدة، دون أن تكون لتلك الأنظمة الحاكمة النية الفعلية في تجسيد مطلب الأمة العربية الواحدة على أرض الواقع.
إن مفهوم الأمة العربية وما يستلزمه من روابط بين الشعوب العربية قد فقد الكثير من صلاحيته بفعل الزمن من جهة وبسبب حالة التشرذم العربي من جهة ثانية، ومن واجب النخب الفكرية في الدول العربية أن تشتغل على تجديده وبعثه بصورة أكثر براغماتية واكثر استجابة للتحديات الراهنة التي تنبني فيها العلاقات بين الدول على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة أكثر مما تنبني على أساس الشعور الوجداني الذي تغنينا به لعقود طويلة دون أن نلتقي به في واقعنا السياسي والاقتصادي، إلا نادرا.
كنت في بداية الأمر لا أريد الدخول في هذه العاصفة رغم أن قوة الجذب كانت شديدة وقادرة على استدراج أي شخص يرى أن له ما يقوله (حق أو باطل )، لأن أهم ما ميز الحرب الإعلامية الأخيرة هو غياب العقل لدى كلا الطرفين الذين داس كل منهما على مقدسات كان يجب أن تظل بمنأى عن التجاذبات الظرفية التي تحدث بين الدول والشعوب العربية بين الفينة والأخرى.
قد يرى البعض أن الأحداث الأخيرة ساهمت في خلق إحساس عارم بالوطنية لدى كلا الشعبين الجزائري والمصري، وكشفت عن ترابط والتفاف نادرا ما يحدث بهذا الحجم حول قضية واحدة صورت على أنها مصيرية، هذا شيء ايجابي وهو واقع لا يمكن انه إنكاره رغم أن هذا الالتفاف وصحوة الوطنية ما هو سوى إحساس ظرفي سرعان ما يزول حين نعود ليومياتنا البائسة التي لا نكف عن التبرم والشكوى منها لأنها لا ترضي احد.
هذا على المستوى القطري لكل بلد، حيث نجحت الأنظمة الحاكمة هذه المرة على التماهي مع طلبات ورغبات شعوبها، أما على المستوى القومي، فاعتقد أن شعاراتنا الكبيرة وتلك التي كنا نسميها مقدسات هي الخاسر الأكبر، فنحن قد جعلنا العروبة والأخوة والدين واللغة المشتركة شعارات مدانة من طرف البعض وقابلة للتنازل عنها حين تتعارض مع المصلحة الوطنية ( رغم ضبابية التعارض الذي يتحدث عنه البعض)، لهذا وقع التأكيد من ظرف إعلاميين ومثقفين على فرعونية مصر في مقابل امازيغية الجزائر مع تجاوز نقطة الاشتراك السياسية وهي العروبة، رغم اعتراض الكثيرين على هذا التجاوز الذي وقع فيه البعض وسوقوا له كحل لفك رباط الأخوة.
النتيجة التي يمكن استخلاصها من الأحداث الأخيرة هي أن الرابط بين الشعبين المصري والجزائري والمتمثل أساسا في الإسلام والعروبة والإحساس بالانتماء المشترك للأمة العربية، اكتشفنا في لحظة أنه مجرد شعار يرفعه الرسميون ويتحدث عنه المواطنون كعادة درجوا عليها منذ الصغر وتلقفوها عبر مراحل التنشئة الاجتماعية في المدرسة والمسجد والإعلام، دون أن يكون له وجود قوي ومثر في سلوكياتنا اليومية وفي نظرتنا لبعضنا البعض التي يفترض أن تبنى على أساس تلك الشعارات، اكتشفنا في لحظة أن الشعارات البراقة غير متجدرة اجتماعيا بالشكل الذي كنا نظنه وأن العلاقة التاريخية والمصالح الإستراتيجية غير قادرة على الصمود أمام المصالح المرحلية ( التأهل لكأس العالم هنا )، واكتشفنا أن الأخ قد يتحول إلى عدو حين يهدد مصلحتي، فنحن لم نراعي المصلحة الجمعية لما نسميه الأمة العربية.
لهذا اتفق معك حين تقول أن " الرابط بين شعبين يستلزم شغلا جادا وليس لصقا تلقائيا "، وهذا الاشتغال الجاد على العلاقة بين الشعبين وبعبارة اعم بين الشعوب المشكلة للأمة العربية أرى أنه يمر عبر مراجعات جذرية لمفهوم الأمة العربية نفسه، ومن بعده لمفاهيم أساسية تربت عليها أجبال بكاملها كمفهوم القومية العربية الذي تراجع للخلف منذ سنوات عدة فاسحا المجال ( تحت تأثير الأزمات العربية الحادة ) لصالح مفاهيم ودعوات تمجد الانتماء القطري رغم أنها لا تلغي بتاتا الانتماء العربي لكنها تحصره في مجرد رابط روحي ووجداني لا يلتقي بالواقع كثيرا حين ننتقل لمجال الممارسة السياسية ولمجال الدفاع عن المصالح المشتركة للأمة العربية.
أزمة الأمة العربية تتجلى على الصعيد السياسي في تحول الهيكل التنظيمي الجامع للدول العربية وهو جامعة الدول العربية إلى مجرد هيكل بيروقراطي لا تأثير فعلي له على السياسات الوطنية لكل دولة عربية، فكل بلد ينطلق في سياسيته الخارجية من مصالحه القطرية، ويبنى سياسيته الخارجية على أساس ما تسمح به ظروفه الداخلية ومساحة المناورة المتاحة أمامه، دون أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة وجود سياسية غربية تكون الإطار العالم الذي تنبني داخل إطاره السياسات القطرية.
وهذا التشتت على المستوى السياسي نجده أقل حدة على المستوى الفكري والنخبوي الذي انبت داخل إطاره فكرة القومية العربية ومفاهيم المصير المشترك والأمة الواحدة ذات الماضي المجيد، إذن فإن فكرة القومية العربية هي فكرة ثقافية قبل أن تكون مطلب سياسي لدى النخب الحاكمة في الأقطار العربية، ونظرا للتجاوب الشعبي مع اشتغالات المثقفين على مفهوم القومية والأمة العربية، فقد وجدت النخب الحاكمة نفسها مضطرة لمجاراة الطموحات الشعبية والنداءات النخبوية لأمة عربية واحدة، دون أن تكون لتلك الأنظمة الحاكمة النية الفعلية في تجسيد مطلب الأمة العربية الواحدة على أرض الواقع.
إن مفهوم الأمة العربية وما يستلزمه من روابط بين الشعوب العربية قد فقد الكثير من صلاحيته بفعل الزمن من جهة وبسبب حالة التشرذم العربي من جهة ثانية، ومن واجب النخب الفكرية في الدول العربية أن تشتغل على تجديده وبعثه بصورة أكثر براغماتية واكثر استجابة للتحديات الراهنة التي تنبني فيها العلاقات بين الدول على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة أكثر مما تنبني على أساس الشعور الوجداني الذي تغنينا به لعقود طويلة دون أن نلتقي به في واقعنا السياسي والاقتصادي، إلا نادرا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "الأمة العربية"
أترك تعليقا