الثلاثاء، يناير 06، 2009
الحركات الاجتماعية والتغيير السياسي
بتاريخ 3:09 ص بواسطة عمار بن طوبال
إن ما تشهده الساحة العربية من تازم اقتصادي واحتقان سياسي غير مسبوق، قد فتح المجال امام قيام حركات اجتماعية ذات توجهات مطلبية اتجاه الدولة، حركات تتجاوز الأطر السياسية التلقيدية المتمثلة في الاحزاب وجمعيات المجتمع المدني، أي أنها تعيد اكتشاف الممارسة السياسية التي كلسها النظام العربي واختزلها في احزاب ورقية لا قوة لها ولا قدرة لها على التغيير من جهة وسلطة قوية بقدرتها على القمع من جهة ثانية؛ هي حركات غير مؤدلجة بالمعنى التقليدي للتوجه الايدولوجي. وغير مهيلكة تنظيميا، طلباتها اجتماعية بالأساس، رغم تنامي مكانة المطالب السياسية في شعاراتها، ومؤطروها في الغالب غير معروفين اعلاميا ولا سياسيا، وذوو طموح سياسي محدود لانهم قادمين لمجال الممارسة السياسية وساحات الاحتجاج من الصحافة وقاعات التدريس بالجامعات في غالب الاحيان، هذه الحركات مثل حركة كفاية المصرية وكفا الفلسطينية وارحلو اليمية وحركة المواطنة بالجزائر والحركات العمالية بالمغرب، تكتسب زخما جديدا بفعل تلاحق الاحداث السياسية في العالم العربي مثل الانتفاضة الثانية وغزو العراق وصولا لحصار غزة والحرب الاسرائلية الاخيرة على الشعب الأعزل في غزة، بالإضافة للمطالب التقلدية التي تنادي بالحريات العامة والإصلاح والتداول السلمي على السلطة.
ولكن قبل الحديث عن طبيعة هذه الحركات الاجتماعية التي تحتل الشوارع العربية في جل العواصم والمدن يجدر بنا الإشارة لمفهوم الحركات الاجتماعية، وهل تندرج ضمنه هذه التحركات الشعبية التي ترفع من سقف مطالبها اتجاه الدولة هي حركات ذات ابعاد سياسية رغم طابعها الاجتماعي والذي يبدو بعيدا عن السياسة، على الأقل بعيدا عن الطموحات السياسية التي تسعى لاستلام السلطة كما هو شان احزاب المعارضة.
تعرف الحركات الاجتماعية على انها "" تلك الجهود المنظمة التي يبذلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات أو الهياكل القائمة لتكون أكثر اقترابا من القيم الفلسفية التي تؤمن بها، والحركة في مفهومها الاختزالي هي تلك الحركة الاجتماعية التي تخرج من صميم المجتمع الذي تسكن فيه "، ورغم تضحية العلوم الاجتماعية بمفهوم الحركات الاجتماعية لصالح مفهوم آخر اكثر أجرائية وأكثر قدرة على التحديد هو مفهوم المجتمع المدني، فإن للحركات الاجتماعية دور كبير في تغيير الممارسات السياسية في العالم، خصوصا في الدول التي استقرت ديمقراطياتها ونظمها القيمية، حيث شهدت أوروبا حركات اجتماعية ساهمت في تجديد الخطاب السياسي ومن ثمة الممارسة السياسية على غرار حركة الطلاب في ماي 1968 والحركات النسائية وحركات العمال والفلاحين وحركات الخضر، تلك الحركات التي كانت ذات توجهات يسارية أثرت الخطاب اليساري للاجزاب الاشتراكية وساهمت في بلورة وعي جديد بقضايا العالم من خلال ابتكار وسائل جديدة في الممارسة السياسية كالاعتصامات الدورية والمسيرات والإضرابات، رغم أن بعضها انقلب لفعل عنيف بغية تغيير الاوضاع المغضوب عليها بالقوة كما حدث مع اضرابات الطلبة في ماي 1968.
ولكن هل حركات الاحتجاج الاجتماعي في العالم العربي قادرة على اعادة صياغة السياسة العامة للحكومات العربية؟!
يرى البعض بان هذه الحركات هي حركات ذات مطالب مرحلية، سرعان ما تزول ونتدثر بزوال مسبباتها، وبالتالي فمن الغباء ان نعول عليها في احداث التغيير، في حين هناك قراءت اخرى ترى في هذه الحركات الاجتماعية وفي اتساع دوائرها واستفادتها من التراكم الذي وفرته لها الاحداث المتوالية على العالم العربي علامة على تغيير بنيوي عميق في الساحة السياسية العربية، حيث أن هذه الحركات اخذت زمام المبادرة من القوى السياسية التقليدية ( الاحزاب والمجتمع المدني ) رغم محاولة بعض الاحزاب اختطاف نجاحات هذه الحركات وصبها في رصيدها، كما ان هذه الحركات تبدو قد طلقت الممارسات الايديولوجية السائدة في الساحة السياسية العربية والتي تقسم الجميع الى نقيضين: نظام / معارضة، إسلامي / علماني.
هذه الحركات رغم ميولاتها الواضحه لتوظيف شعرات ذات محمولات دينية إلا انها لا تعارض التيارات الاخرى وتضمها إليها نظرا لان بعض مؤطريها ينتمون لتيارات اليسار وهم الذين يؤججون المطالب القومية والاجتماعية على غرار حركة كفاية وحركات الاحتجاج بالمغرب التي يؤطرها اليساريون رغم ميلها لتوظيف خطاب توفيقي ذو محمولات دينية دون الاحساس بالوقوع في تناقض لأن التناقض بين اليسار والتيارات الدينية هو تناقض مصطنع بالاساس صنعته النخبة السياسية والفكرية لاجل تحقيق اهداف مصلحية معينة، أي انه تناقض نخبوي لا تلتفت إليه الجماهير الشعبية كثيرا ونظرا لكون هذه الحركات الاجتماعية هي في النهاية تعبير عن وعي اجتماعي عايش ازمة متعددة الجوانب واستطاع بعفوية إدارك مكامن الداء، وبالتالي فمطالب التغيير التي تقودها هذه الحركات تنصب أساسا حول الوضع الاقصادي في حالات تراجع الازمات الخارجية لانه المطلب الملح والدائم، وهو السبب الرئيسي في تشكل هذه الحركات التي ترى بأن الحكومة عاجزة عن توفير حياة كريمة للمواظنين وتحمل الدولة اسباب تنامي الفقر وتدني مستوى المعيشة واستفحال الفساد نتيجة الانفتاح الاقتصادي الذي فتح الباب امام فئات قليلة للاستحواذ على الثورة وهمش غالبية المواطنين، اما في حالة وجود ازمات كما يحدث الآن في غزة فان الشعارات القومية والدينية تتبؤ الصدارة معبرة عن رغبات صادقة في العزة وفي الوحدة وفي كرامة الامة بمجملها لا كرامة مواطنين في دولة واحدة، لان القضايا القومية تستدعي هبة قومية وشعارات في مستوى الوطن العربي بأكمله لان فكرة القومية العربية رغم تراجعها في الممارسة السياسية إلا انها كفرة لا تزال تسكن الوجدان العربي وتتصدر الخطابات السياسية الجوفاء للحكام العرب الذين لم يهتدوا لطريق الوحدة او التكامل واختزلوه في مجرد شعارات وخطابات موجهة للاستهلاك المحلي.
تلك الشعارات التي تلقفها الشارع العربي والحركات المعبرة عن وعي الافراد الوجماعات بالتحديات التي تواجه الامة في مجملها وبعثوا فيها قبسا من روح الامة، ليجتمعوا حولها وينادو بها ليس كمجرد شعارات لا تلتقي بالواقع انما كهدف تؤمن به الشعوب العربية وتسعى لجر حكوماتها لتبنيه والعمل به.
إن الحراك الشعبي الذي يشهده العالم العربي في هذه الفترة بالذات تضامنا مع غزة وتنديدا بالعدوان الاسرائيلي والانظمة العربية على السواء، قد سجل تطورا نوعيا في خطابات وشعارات الجماهير العربية، هذا التطور الكبير والخطير يتمثل في تصنيف الانظمة العربية داخل نفس البوتقة التي يصنف ضمنها العدو، وهذا تطور خطير يعبر عن مدى يأس الشعوب العربية من حكامها ومدى فقدان الانظمة العربية لكل ارتباط بطموحات ورغبات الشعوب، اي انفراط العقد الاجتماعي الذي يربط الحاكم بالمحكومين ومن ثمة فقدان الانظمة لكل شرعية محتملة.
إن اكثر القراءات تشاؤما حول مستقبل الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في العالم العربي ترى فيها مجرد استجابات حماسية ومرحلية لظروف مستجدة، وان التغيير الذي تنشده لا يمكن إلا ان يقود للفوضى لانها لا تحمل برنامجا بديلا يمكن ان يعوض الفراغ الذي قد يحدثه اي تغيير عنيف للانظمة القائمةـ في حين ترى القراءات المتفائلة بان هذه الحركات تفقد النظام ما تبقى له من مشروعية وتخلق ممارسات سياسية يمكن ان تنضج مع الوقت لتصنع البديل ولتتحول لتنظيمات سياسية قادرة على اخذ زمام المبادرة في تغيير الانظمة وفي الحلول محلها ايضا وبكفاءة، والاهم بتكريس الإنتماءالاصيل لروح الشعوب العربية، وبادراك لتحدياتها.
ولكن قبل الحديث عن طبيعة هذه الحركات الاجتماعية التي تحتل الشوارع العربية في جل العواصم والمدن يجدر بنا الإشارة لمفهوم الحركات الاجتماعية، وهل تندرج ضمنه هذه التحركات الشعبية التي ترفع من سقف مطالبها اتجاه الدولة هي حركات ذات ابعاد سياسية رغم طابعها الاجتماعي والذي يبدو بعيدا عن السياسة، على الأقل بعيدا عن الطموحات السياسية التي تسعى لاستلام السلطة كما هو شان احزاب المعارضة.
تعرف الحركات الاجتماعية على انها "" تلك الجهود المنظمة التي يبذلها مجموعة من المواطنين بهدف تغيير الأوضاع، أو السياسات أو الهياكل القائمة لتكون أكثر اقترابا من القيم الفلسفية التي تؤمن بها، والحركة في مفهومها الاختزالي هي تلك الحركة الاجتماعية التي تخرج من صميم المجتمع الذي تسكن فيه "، ورغم تضحية العلوم الاجتماعية بمفهوم الحركات الاجتماعية لصالح مفهوم آخر اكثر أجرائية وأكثر قدرة على التحديد هو مفهوم المجتمع المدني، فإن للحركات الاجتماعية دور كبير في تغيير الممارسات السياسية في العالم، خصوصا في الدول التي استقرت ديمقراطياتها ونظمها القيمية، حيث شهدت أوروبا حركات اجتماعية ساهمت في تجديد الخطاب السياسي ومن ثمة الممارسة السياسية على غرار حركة الطلاب في ماي 1968 والحركات النسائية وحركات العمال والفلاحين وحركات الخضر، تلك الحركات التي كانت ذات توجهات يسارية أثرت الخطاب اليساري للاجزاب الاشتراكية وساهمت في بلورة وعي جديد بقضايا العالم من خلال ابتكار وسائل جديدة في الممارسة السياسية كالاعتصامات الدورية والمسيرات والإضرابات، رغم أن بعضها انقلب لفعل عنيف بغية تغيير الاوضاع المغضوب عليها بالقوة كما حدث مع اضرابات الطلبة في ماي 1968.
ولكن هل حركات الاحتجاج الاجتماعي في العالم العربي قادرة على اعادة صياغة السياسة العامة للحكومات العربية؟!
يرى البعض بان هذه الحركات هي حركات ذات مطالب مرحلية، سرعان ما تزول ونتدثر بزوال مسبباتها، وبالتالي فمن الغباء ان نعول عليها في احداث التغيير، في حين هناك قراءت اخرى ترى في هذه الحركات الاجتماعية وفي اتساع دوائرها واستفادتها من التراكم الذي وفرته لها الاحداث المتوالية على العالم العربي علامة على تغيير بنيوي عميق في الساحة السياسية العربية، حيث أن هذه الحركات اخذت زمام المبادرة من القوى السياسية التقليدية ( الاحزاب والمجتمع المدني ) رغم محاولة بعض الاحزاب اختطاف نجاحات هذه الحركات وصبها في رصيدها، كما ان هذه الحركات تبدو قد طلقت الممارسات الايديولوجية السائدة في الساحة السياسية العربية والتي تقسم الجميع الى نقيضين: نظام / معارضة، إسلامي / علماني.
هذه الحركات رغم ميولاتها الواضحه لتوظيف شعرات ذات محمولات دينية إلا انها لا تعارض التيارات الاخرى وتضمها إليها نظرا لان بعض مؤطريها ينتمون لتيارات اليسار وهم الذين يؤججون المطالب القومية والاجتماعية على غرار حركة كفاية وحركات الاحتجاج بالمغرب التي يؤطرها اليساريون رغم ميلها لتوظيف خطاب توفيقي ذو محمولات دينية دون الاحساس بالوقوع في تناقض لأن التناقض بين اليسار والتيارات الدينية هو تناقض مصطنع بالاساس صنعته النخبة السياسية والفكرية لاجل تحقيق اهداف مصلحية معينة، أي انه تناقض نخبوي لا تلتفت إليه الجماهير الشعبية كثيرا ونظرا لكون هذه الحركات الاجتماعية هي في النهاية تعبير عن وعي اجتماعي عايش ازمة متعددة الجوانب واستطاع بعفوية إدارك مكامن الداء، وبالتالي فمطالب التغيير التي تقودها هذه الحركات تنصب أساسا حول الوضع الاقصادي في حالات تراجع الازمات الخارجية لانه المطلب الملح والدائم، وهو السبب الرئيسي في تشكل هذه الحركات التي ترى بأن الحكومة عاجزة عن توفير حياة كريمة للمواظنين وتحمل الدولة اسباب تنامي الفقر وتدني مستوى المعيشة واستفحال الفساد نتيجة الانفتاح الاقتصادي الذي فتح الباب امام فئات قليلة للاستحواذ على الثورة وهمش غالبية المواطنين، اما في حالة وجود ازمات كما يحدث الآن في غزة فان الشعارات القومية والدينية تتبؤ الصدارة معبرة عن رغبات صادقة في العزة وفي الوحدة وفي كرامة الامة بمجملها لا كرامة مواطنين في دولة واحدة، لان القضايا القومية تستدعي هبة قومية وشعارات في مستوى الوطن العربي بأكمله لان فكرة القومية العربية رغم تراجعها في الممارسة السياسية إلا انها كفرة لا تزال تسكن الوجدان العربي وتتصدر الخطابات السياسية الجوفاء للحكام العرب الذين لم يهتدوا لطريق الوحدة او التكامل واختزلوه في مجرد شعارات وخطابات موجهة للاستهلاك المحلي.
تلك الشعارات التي تلقفها الشارع العربي والحركات المعبرة عن وعي الافراد الوجماعات بالتحديات التي تواجه الامة في مجملها وبعثوا فيها قبسا من روح الامة، ليجتمعوا حولها وينادو بها ليس كمجرد شعارات لا تلتقي بالواقع انما كهدف تؤمن به الشعوب العربية وتسعى لجر حكوماتها لتبنيه والعمل به.
إن الحراك الشعبي الذي يشهده العالم العربي في هذه الفترة بالذات تضامنا مع غزة وتنديدا بالعدوان الاسرائيلي والانظمة العربية على السواء، قد سجل تطورا نوعيا في خطابات وشعارات الجماهير العربية، هذا التطور الكبير والخطير يتمثل في تصنيف الانظمة العربية داخل نفس البوتقة التي يصنف ضمنها العدو، وهذا تطور خطير يعبر عن مدى يأس الشعوب العربية من حكامها ومدى فقدان الانظمة العربية لكل ارتباط بطموحات ورغبات الشعوب، اي انفراط العقد الاجتماعي الذي يربط الحاكم بالمحكومين ومن ثمة فقدان الانظمة لكل شرعية محتملة.
إن اكثر القراءات تشاؤما حول مستقبل الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في العالم العربي ترى فيها مجرد استجابات حماسية ومرحلية لظروف مستجدة، وان التغيير الذي تنشده لا يمكن إلا ان يقود للفوضى لانها لا تحمل برنامجا بديلا يمكن ان يعوض الفراغ الذي قد يحدثه اي تغيير عنيف للانظمة القائمةـ في حين ترى القراءات المتفائلة بان هذه الحركات تفقد النظام ما تبقى له من مشروعية وتخلق ممارسات سياسية يمكن ان تنضج مع الوقت لتصنع البديل ولتتحول لتنظيمات سياسية قادرة على اخذ زمام المبادرة في تغيير الانظمة وفي الحلول محلها ايضا وبكفاءة، والاهم بتكريس الإنتماءالاصيل لروح الشعوب العربية، وبادراك لتحدياتها.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "الحركات الاجتماعية والتغيير السياسي"
أترك تعليقا