السبت، أكتوبر 04، 2008

بعض السخافات

بتاريخ 2:00 ص بواسطة عمار بن طوبال

تشرق الشمس وتغرب والمدينة تسكن سكونها الأبدي، لا تتغير لا تضطرب ولا تنقلب، لا تعلن التمرد ولو يوما على إيمانها الساذج بقدرها الواقف دون مستوى أحلامي وأحلام شباب الطريق والحيطان والمعاكسات المرتبكة، والحلم بيوم جديد وفتاة تكون حبيبة، قادرة على أن تدفع عن أجسادنا البرد الساكن فينا منذ وجددنا هنا؛ برد الأيام المكرورة والأحلام المبتورة وقصف الأقوال المأثورة. برد البحر، والبحر في جيجل ولا أجمل والرياس من هنا انطلقوا وهنا نزل بربروسا ومن هنا انطلق الجواجلة طردوا الأسبان من مدن الشمال في الشرق والوسط والغرب ، وعادوا إلى سلامهم وبلادهم وبردهم، يخيطون من أوهام الماضي السعيد وذكرى الأسلاف العظام، رياس البحر النابتون هنا والموزعة أشلاؤهم وأحلامهم هناك في كل البر والبحر؛ أحلاما تستحيل سلاما وفخرا وذكرا وبردا .... تجلدنا الحيطان هنا وتلهب ظهورنا وتلعننا الطرقات التي قتلناها مشيا وأتعبناها وقوفا في انتظار فتيات يطلعن من خدورهن ومن الثانويات والمدارس...يخرجن يحملن الحلم والدفء، ونظرات مغناجة واعدة باليأس. معاكساتنا مرتبكة تنتهي بإحباط شديد...لم يعلمونا بالبيت كيف نعامل الأنثى وكيف نعشق النساء؛ علمونا الحشمة السخيفة التي ترعدنا رغبة لا حبا، والنسغ الساخن يصعد في أجسامنا وفي عظامنا الموبوءة بالرطوبة وينزل ويطيش، وعيوننا تتبع مؤخرات الفتيات اللواتي يمررن أمامنا في دلال ومنعة والشبق فينا يبكي وصديقي المحزون بجواري يشتكي ويلعن.
ماذا أقول لها ومر عام أطاردها، أزني معها بعيوني وبعينيها الكحيلتين معي تزني وتمضي وأمضي؛ وعام أخر مر أكاتبها وصديقي يساعدني ويأتيني بأشعار نزار حيث تمتد مراهقتنا التي لم نعشها، نسهر وحدنا بعيدا عن كل السهارى والسكارى، نقرأ ونعيد ونغتبط ونصيح من فرط تأثرنا ..الله..الله. أنا وصديقي الذي قرر بعدما احتله اليأس أن يحب الحب لذاته كما قيس بن الملوح. لننهي قبل الفجر رسالة أرسلها لها غدا مع جارها الصغير واللئيم لا يذهب قبل أن تمتلئ جيوبه بقطع الحلوى والنقود.
ماذا سأقول لها ورسائلها تأتيني دوما دون مستوى أحلامي وطموحاتي وأساسا، يجب الاعتراف أيضا دون مستوى رغباتي...تصدمني دائما قبل أية كلمة تفرحني حتى لو كانت منقولة من كتب سخيفة: أخي العزيز ..وتمضي وأمضي أقرأ أفتش عن كلمات تشعرني أنني رجل وأنها أنثى . تسكنني الخيبة بعد أن أنتهي من قراءة رسالتها وأتمنى لو لم ترسلها، أحاول كتابة أخرى وصديقي الذي شعر بخيبتي يواسيني ويعزيني في الحلم الذي لن يتحقق ويعزي نفسه فيّ؛ أخبرها أني لست أخاها وأني لست أحلم بسواها وبأني وأني... لست وحدي من يهواها لكني أكثرهم عشقا وولها وحنينا لها، هي تعرف ذلك وتعرف أني سأصبر على تمنعها وتجاهلها وإنكارها أياي أمامي، وعلى ادعائها أمام صحبها بأنني عاشقها المفتون والمجنون، سأصبر على نظرات أخيها المنبئة بكارثة وقد بت أشعر أنه يرتاب بأمري ويحرسها ويحرسني وعلى الرسائل المخيبة لآمالي، على كل هذا سأصبر. فنحن لم نتعلم في هذه المدينة غير الصبر وغير البرد وكبت الحلم وادعاء الجلد ونسيبان الألم.
لا تبكي فالبكاء للأطفال. لماذا يا صديقي لم يعلمونا ثقافة البكاء ومحاورة الأحزان؟ لماذا لم يتركونا نهاجم مواقع الهم ونزيل أثاره ورسمه من قلوبنا حين يفيض نهر العين العظيم مرة في العام أو مرتين. السماء وحدها تبكي في هذه المدينة والأطفال والنساء؛ أما نح
ن فلا، نحن رجال. وهل يبكي الرجال؟
شهورا ودهورا لا فرق والألم يسكننا. ونحن نختلس المتع الصغيرة في بؤس اللصوص الطيبين، نختلسها بعيدا عن عيون الكبار؛ هؤلاء الكبار حراس الحقيقة والحكمة في مدينتنا.
متى جاء هؤلاء الناس الكبار إلى مدينتنا الهادئة في صخب، المؤمنة المطمئنة. هم الذين يمارسون في الليل الدعارة،وفي الصباح يعلموننا الإيمان والتقوى، ويجلدوننا بخطب الوعض والإرشاد التي لم تعد تقنع السذج والأغبياء منا، نحن الذين ولدنا هكذا في زمن الحزن العريض، وفي بلد الحزن العريض والممتد كبحر لا ينتهي، كيف جاؤوا هكذا كبارا وظلوا كبارا وبقينا نحن رغم العشرين عاما صغارا، يجلدوننا كل صباح وكل مساء بكلام مأثور ونسمع ونتمرد صامتين، ونقول سمعا وطاعة يا والدي وسيدي أنت أدرى وأنت أعلم بنا وبكم وبمن سيأتي بعدنا بألف عام. فمدينتنا لم تتغير منذ ألف عالم، جميلة وفاتنة في سكونها الليلي، وجليدية المشاعر ومصفحة ضد الحب؛ المقاهي للكبار وللسياسة والحمامات للنساء ولاختيار عروس الابن البضة ، مازالت العجوز في مدينتنا تجس مؤخرة الفتاة وصدرها قبل أن تخطبها لابنها. ونحن أبناء الحيطان المتهرئة لنا الشوارع والطرقات المشتكية منا، ولنا المعاكسات البائسة.
وأنا وصديقي نكتب الرسالة الأخيرة ونزار الذي أحببناه خاننا وانظم إلى الكبار راح إلى السياسة تاركا المراهقة والحب في تيه لا ينتهي؛ وصديقي يقسم أن ليس هناك حب في الأرض؛ وأنا غدا سألقاها، مزقت كل الرسائل وعرفت أخيرا ماذا سأقول لها؛ سألقاها غدا كما المئات سيلقونها وأعرف الآن ماذا سأقول لها فغدا يوم عرسها.

ردود على "بعض السخافات"

أترك تعليقا

conter