الأربعاء، يوليو 02، 2008

نظرية المؤامرة

بتاريخ 7:34 ص بواسطة عمار بن طوبال


لماذا نسارع نحن العرب دوما لتعليق فشلنا على الاخرين، ولعن الظروف التي جعلتنا هدفا لكل طامع وحقود يعمل ليل نهار من أجل القضاء علينا وتشتيتنا وإضعافنا، هل نحن حقا بهذه الاهمية التي تجعل الدول العظمي تتامر علينا وتوظف المال والجهد في سبيل ابعادنا عن مسارات التقدم والازدهار.
كثيرا ما نسمع رجال السياسة عندنا يرجعون كل كارثة تحل بنا إلى أيادي أجنبية تعمل على زعزعة استقرار البلد، كما نسمع مفكرينا أيضا يقولون بنفس النظرية لتبرير فشل المشاريع الفكرية الكبرى التي راهن عليها المثقف العربي كثيرا كالنهضة، الوحدة العربية، القومية، الدولة الأسلامية...إلخ.
يشترك في هذا المثقف الأسلامي والاصلاحي والعلماني والتقدمي، فجميعهم يرجعون أسباب الفشل إلى تدخل الأيادي الأجنبية وعملها على كسر سيرورة التقدم والنهوض التي يدعو لها ويقودها التيار الفكري الفلاني لصالح تيار اخر يعمل ضد مصالح الأمة.
في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فترة سطوع نجم التقدمية واليسار العربي كان المثقف الإسلامي أو الإسلاموي كما يسميه اليساريين يرجع أسباب فشله في احتلال مواقع مهمة على الساحة الوطنية والقومية لأيادي أجنبية إلحادية ( يقصد موسكو والأممية الاشتراكية ) التي تعمل من خلال عملائها في السلطة وفي أوساط المثقفين على محاربة المشروع الأسلامي الذي يهدد مستقبلها ليس في العالم العربي فحسب ولكن في كل العالم، فالمثقف الإسلامي ومشروعه السياسي والاجتماعي ضعيف، لأن هناك قوى عظمى تحاربه، وعاجز عن إيجاد موطأ قدم له لأن اليساريين يسيطرون على السلطة أي يمتلكون وسائل العنف الشرعي التي يوظفونها في اضطهاد أنصار المشروع الإسلامي.
وعندما انقلبت الموازين بداية من أواخر سبعينيات القرن الماضي وسطع نجم الإسلام السياسي الذي اكتسح الساحة السياسة والإعلامية من خلال ما يمتلكه من نفود اقتصادي ومالي مكنه من السيطرة على الشارع بداية التسعينات، في نفس الفترة التي هوى فيها نجم اليسار بعد السقوط المدوي للمعسكر الاشتراكي، كانت التهمة جاهزة على أفواه وأقلام المهزومين والمندحرين: أن الأصولية الإسلاموية المدعومة من دول البترودولار ( يقصدون السعودية تحديدا ) والتي تعمل لأجل تحقيق أهداف أمريكية سطرها خبراء البيت الأبيض والبنتاغون، هي السبب في ضياع حلم القومية العربية والاشتراكية ومجتمع العدالة الاجتماعية الذي بشر به المثقف اليساري العربي الذي ما زال متمسكا بأوهامه القديمة في عودة أطياف كارل ماركس.
ركزت عن عقدة المؤامرة التي تسكن المثقفين العرب الذين يفترض فيهم نظرا لوظيفتهم الاجتماعية كمثقفين إعمال العقل والنظر ببصيرتهم قبل بصرهم للأشياء، تلك البصيرة الغائبة في ظل عقل يستقيل عن أداء وظيفته.
ولكن لماذا نبرر نحن العرب فشلنا دائما بالاستناد إلى نظرية المؤامرة المستحكمة في الذهنية العربية؟
عقدة المؤامرة من الناحية النفسية تقوم بدورين أساسيين:
أولا: تمنحنا إحساسا بأهميتنا في هذا العالم، وهي أهمية مفقودة في الواقع غير أننا لا نستطيع الإعتراف بذلك، لأن في الاعتراف بهواننا جرح لنرجيستينا المفرطة، وهذا الإحساس بالأهمية يغذيه الإعتقاد بأن الاخرين يتامرون علينا ويكيدون لنا موظفين كل ما يملكون من قدرات مادية ومعرفية فقط من أجل إبقاءنا على حالة الضعف والتشتت التي نحن عليها.
فالبرغم من ضعفنا إلا أننا نشكل خطرا على الاخرين وتهديدا حقيقيا لهم، فأهميتنا تنبع من القوة الداخلية التي نملكها ( قوة الأسلام، قوة الثروة البشرية، قوة الموارد التي نمتلكها.....)
وامتلاكنا لهذه القوة - وهي قوة حقيقية غير مستغلة ومهمشة بشكل كبير- يولد لدينا أحساسا زائفا بأهمية لا وجود لها في الواقع.
ثانيا: نظرية المؤامرة تمنحنا نوعا من راحة الضمير أو عدم لوم الذات على الفشل الذي نمنى به في كل مشاريعنا المصيرية تقريبا، فليس العيب فينا ولا في قدراتنا ولا في ما بذلناه من جهد في سبيل تحقيق أهدافنا في التقدم والازدهار، إنما سبب الفشل يعود لقوى خارجية لا قبل لنا بالتصدي لها في الوقت الراهن، فتامرها علينا وعملها على الوقوف في وجه مصالحنا هي التي تملك امكانات مادية وتكنولوجية وبشرية كبيرة، هو سبب الفشل.
بمعنى أننا دائما نرجع أسباب الفشل لعوامل خارجية وليست ذاتية.
المقولات الأساسية لنظرية المؤامرة التي تسكن الذهنية العربية كثيرة على رأسها الصهيونية واليهود والماسونية وامريكا والغزو الثقافي....الخ؛ في كل كارثة تحل بنا، هزيمة أو فشل أو فتنة أو أازمة، نسارع دوما للبحث عن الأيادي اليهودية والصهيونية وراء ذلك، وسواء كانت هذه الأيادي موجودة فعلا ولها دور، أم كانت بعيدة كل البعد فالتهمة جاهزة، لأننا ببساطة عاجزين ورافضين لتحمل مسؤولياتنا أمام أنفسنا وأمام الاخرين.
نحن كعرب بارعين فقط في تحميل الاخرين مسؤلية كل الأشياء القبيحة التي حدثت والتي يمكن أن تحدث لنا. إخفاقاتنا السياسية الاقتصادية والاجتماعية وأزماتنا كلها مبررة سلفا.
واخر ما أثارني في هذه القضية ودفعني لكتابة هذا المقال هو ما يتداول في بعض المدونات من محاولات صهيونية حاقدة لألهاء الشباب العربي عن قضاياه المصيرية وأدخال المدونين في صراعات بينية تخدم العدو الصهيوني، من خلال مدونات تعمل لحساب الموساد وتحت إشراف خبراء في علم النفس والاتصال هدفهم اختراق عالم التدوين بعدما حققه من نجاحات واستقطاب لفئة مهمة من الشباب.
فيكفي أن يختلف مدون مع اخر ليتهمه بانه عميل صهيوني، فالمدونة الفلانية صنعية يهودية والمدون العلاني يعمل لصالح مؤسسة يهودية مقرها حيفا ( كمال قال احد المدونين ردا على مدون اخر تهجم عليه او على صديقة له )، وهذا فصل اخر من فصول نظرية المؤامرة في عالم افتراضي اسمه مكتوب.

ردود على "نظرية المؤامرة"

أترك تعليقا

conter