السبت، نوفمبر 21، 2015

فضاءات مفتوحة ووعي منغلق

بتاريخ 12:16 م بواسطة عمار بن طوبال




في المدن الكبيرة هناك ما نسميه بالغفلية المدائنية، أي ارتخاء الرقابة الاجتماعية على المرأة التي تجد حرية الحركة والفعل بعيد عن نظرات الإدانة التي تترصدها في محيطها الضيق وتعقب كل تصرف قد يوصف، أو يتم تأويله لاحقا، بأنه تصرف غير محترم أو طائش. في المدن التي يزيد فيها عدد النساء العاملات بنسبة كبيرة، وتتمتع فيها نساء الطبقات الوسطى بوضع امتيازي مقارنة بنساء الطبقة الوسطى فيالمدن الصغيرة والأرياف، تجد المرأة نفسها أكثر تحررا، وبالتالي أكثر رغبة، في بناء علاقات جديدة، وأحيانا علاقات متعددة، أو حتى متعارضة: علاقات مهنية، علاقات صداقة، علاقات حب، نزوات، دون أن تشعر بأنها مهددة بدفع ثمن باهظ مقابل انخراطها في بعض تلك العلاقات، خاصة في الحالات التي تتخللها علاقات جنسية. إن المرأة في ظل هذا الوضع المرتخي رقابيا، تتجه نحو تبني أخلاقيات وقيم ذاتية بعيدا عن القولبة التي يمارسها الضبط الاجتماعي، وهذا ما يجعلها تعمل، إنطلاقا من تجارب خاصة وما ينتج عنها من وعي، على بناء علاقات ذاتية مع جسدها التي تشعر، كلما حضيت بوضع اقتصادي أفضل وكلما ابتعدت أكثر عن الرقابة الصارمة للجماعة ( القبيلة، العائلة، الأهل ...)، بأنه ملكية خاصة بعيدا عن التنميط الاجتماعي شديد القوة للجسد الأنثوي في المجتمعات ذات الثقافة التقليدية كمجتمعنا الجزائري، وهذا الوعي المحدث بالجسد الذي ساعدت الفضاءات الحضرية المفتوحة وثقافتها على تشكيله يجعل المرأة نفسها، ورغم ما صارت تتمتع به من حرية ومن وضع اقتصادي يتيح لها إمكانية الاستقلال التام عن العائلة، تشعر بمأزق نفسي إزاء تصوراتها المحدثة التي انبنت نتيجة سيرورة غالبا ما تبتديء من مرحلة الثانوية وتتعزز مع انتقال المرأة للعمل وتموضعها في المجال العام كعضو فاعل ومستفيد مما يتيحه ذلك المجال ( الذي هو الفضاء المديني المفتوح) من إمكانات لتحقيق الذات بشكل مستقل عن العائلة وجماعات الانتماء القرابية، مأزق ينتج بسبب قوة التربية الأبوية التي تجعل المرأة تعيش انفصاما بين فضاء مفتوح في الخارج بكل ما يتيحه وما يسمح به، وفضاء مغلق نسبيا داخل المنزل رغم ارتخاء قيمه القامعة للمرأة بسبب وضعها الاقتصادي غالبا الذي يمنحها قوة اتجاه الأبوية التي يمثلها الأب والأخ داخل المنزل. هذا المأزق النفسي غالبا ما يؤدي إلى نكوص وردة إزاء التصورات المحدثة التي اكتسبتها الفتاة في عشرينياتها الصاخبة، فكلما تجاوزت البنت سن الثلاثين صارت أكثر ميلا للاحتماء بالعائلة وأكثر شعورا بالحاجة إلى إرضاء القيم العائلية التي لا تزال تساهم بشكل كبير، رغم قوة التحديث داخل المدن خاصة، في تشكيل وعي بالتبعية لدى المرأة الجزائرية، تبعية لا تشعر الجزائرية بالأمان إلا في ظلها. هذه التبعية التي تجد لها جذورا نفسية عميقة لدى الفرد الجزائري عامة، كرسها قيم تربوية شديدة القوة والنفوذ لأنها تنتمي للأصل وللهوية الحاضنة لميولات ورغبات الأفراد مهما تشتت واتسع نطاقها، هي التي تعطي تفسيرا لواقع اجتماعي يبدو للناظر من خارج المجتمع الجزائري بأنه متناقض أو غير سوي واقع يخبرنا بأن هناك عدد كبير من النساء العاملات والمستقلات اقتصاديا بشكل تام، في مقابل عدد قليل جدا من النساء المستقلات عن العائلة في مجال السكن. فالمرأة صاحبة بيت مستقل تقيم فيه لوحدها، هي عادة غير جزائرية رغم توفر كل الظروف التي تجعلها ممكنة.

ردود على "فضاءات مفتوحة ووعي منغلق"

أترك تعليقا

conter