الأربعاء، يونيو 02، 2010

الرد بالقضيب: دونجوان أسود في بلاد الشقراوات

بتاريخ 8:18 م بواسطة عمار بن طوبال

الرد بالقضيب: دونجوان أسود في بلاد الشقراوات

ououso12 " موسم الهجرة إلى الشمال " هي واحدة من الروايات الإشكالية والفارقة في تاريخ الرواية العربية، إنها العمل الأبرز للروائي السوداني الراحل " الطيب صالح "، وواحدة من أهم الروايات العربية التي صدرت في النص الثاني من القرن العشرين، فهي رواية صادمة في أسلوبها وصدامية في موضوعها، موضوعها الذي سيشغل كثيرا الأدباء والمفكرين خلال فترة الاستقلال أو ما يسمى في مجال الدراسات الأكاديمية بمرحلة ما بعد الكولونيالية والتي لها تجليات على المستوى الأدبي والفكري، تعد " موسم الهجرة إلى الشمال " واحدة من أجلى هذه التجليات لأنها تتحدث عن الصراع الحضاري بين الأنا المغلوبة والآخر الغالب أو بين الشرق المستعمَر والغرب المستعمِر.

فمن خلال شخصية بطل الرواية " مصطفى سعيد " استطاع " الطيب صالح " وببراعة فنية قلما توفرت له في أعماله الأخرى أن يصور لنا تلك العلاقة الشائكة والمتشنجة بين بطل الرواية العربي والمستعمر السابق الذي تلقى تنشئة وتعليما غربيين، وبين المجتمع الانجليزي الذي يعيش البطل بين ظهرانيه، وقيم هذا المجتمع الذي كان مستعمر الأمس.

ولكن دون الخوض في الطبيعة الفكرية للصراع الحضاري بين الشرق والغرب والذي صورته الرواية - موضوع الدراسة - ببراعة، فلنتعرف أولا على بطل الرواية، لأن " موسم الهجرة إلى الشمال " لم تكن سوى سيرة لحياة " مصطفى سعيد "

" مصطفى سعيد " بطل الرواية والأنا الأخرى للكاتب، ولد في 16 أغسطس سنة 1898 وهي السنة نفسها التي هزم فيها القائد الإنجليزي " كتشنر " قائد الثورة المهدية، هذا النصر الذي حققه القائد البريطاني مكن بريطانيا من إعادة احتلال السودان بالكامل، وفي ظل الاحتلال البريطاني للسودان، ولد " مصطفى سعيد " الذي تلقى تعليمه في المدارس التي أنشاها الانجليز، ونتيجة تفوقه انتقل إلى القاهرة ثم إلى لندن لإكمال تعليمه الجامعي كغيره من نوابغ أبناء المستعمرات الذي يتلقفهم الميثروبول، في لندن درس مصطفى سعيد، وتفوق، فعين محاضرا في الاقتصاد وهو بعد في سن الرابعة والعشرين بعد أن تخرج من جامعة أكسفورد العريقة، كان يمكن " لمصطفى سعيد " أن يرضى عن نفسه تمام الرضى ويقنع بمنصب عمله المرموق وعيشته الرغيدة في عاصمة الضباب، ولكنه وكبطل إشكالي لم يستكن لنشوة النجاح الذي حققه، بل انخرط في النشاط السياسي والفكري من خلال تأليف الكتب والتحدث في الندوات والمحاضرات عن أحقية إفريقيا في التحرر، فقد كان رئيسا لجمعية تحرير إفريقيا، وعضوا في الحركة الاشتراكية الانجليزية " المناهضة للاستعمار ".

نتيجة تفوقه الدراسي ونجاحه العملي وبلاغته الخطابية أيضا وهو يدافع عن حقوق الشعوب المستعمرة، حظي باحترام فئات واسعة من المجتمع البريطاني وربطته صداقات وثيقة بعلية القوم هناك، كما تمكن من إقامة شبكة علاقات واسعة جعلت منه شخصا ذا نفوذ.

كتب " مصطفى سعيد " عن الاقتصاد الاستعماري كاشفا عدم إنسانيته وقيامه على التمييز اللاانساني، وعلى الاستغلال، لكن هذه التعرية للهيمنة الاستعمارية لم تكن لترضي نفسه المهانة منذ لحظة الميلاد الأولى التي هي أيضا لحظة انكسار الثورة المهدية في بلده الذي تركه غارقا في التخلف والاستبداد الاستعماري؛ فنضاله السياسي وكتبه ومحاضراته المنددة بالاستعمار لم تكن كافية لتجعله يحس باستعادة الكرامة ورد الاعتبار، فقد ظلت نفسه تختزن كرها دفينا واحتقارا – ممزوجا بإعجاب دفين – للمستعمر وللمجتمع البريطاني الذي يتظاهر بالطيبة والنبل وجيوشه تسحق الشعوب الأخرى، هذا الكره والاحتقار جعل فكرة الانتقام تكبر في ذهن مصطفى سعيد، الانتقام من المستعمر والثأر لكل ما فعله الاستعمار الانجليزي في إفريقيا السوداء ، فتخيل نفسه وسط أفراد المجتمع الانجليزي غازيا، هو الذي يحمل ارث الماضي وثاراته في روحه، وكرهه لما فعله الاستعمار البريطاني في نفوس أبناء المستعمرات قبل أجسادهم يغذي حقده ويدفعه أكثر فأكثر للثأر، ولكن كيف؟

الثأر الجنسي، هذا هو الأسلوب الذي اختاره " مصطفى سعيد " للرد على الإهانة التي يحس طعمها في حلقه كلما استيقظ صباحا، فقد قرر أن يرد بالقضيب على التحدي الحضاري الذي يفرضه عليه وجوده وسط المجتمع الذي استعمر بلده، فهاهو في أوروبا الاستعمارية وفي عاصمة التاج البريطاني يغزوا أوروبا الغازية جنسيا لعله يستعيد فوق جسد بريطانية شقراء بعضا من كرامته التي هدرها الاستعمار.

لقد حولت الرغبة في الثار من المستعمر " مصطفى سعيد " إلى كائن سلبي قدمه الراوي على انه (إنسان خال من المرح، آلة صماء، عقل بارد وقاطع كالمدية ) فقد كان انجليزيا اسود حاد الذكاء شرقي الروح مفوه اللسان بليغ الحجة بليد الشعور، هذه الصفات جعلت منه دونجوانا أسودا في بلاد الشقروات، وعلى صدور الشقروات الانجليزيات غرق " مصطفى سعيد " في حياة بوهيمية معتقدا أنه بهكذا حياة يثأر لكل معاناة الشعوب المستعمرة، لقد رد " مصطفى سعيد" على العنف الاستعماري المسلط على شعبه بعنف ناعم فوق سرير أكثر نعومة، لكن عنفه الناعم انتهى بانتحار ثلاث فتيات، أعقبه بقتل زوجته الانجليزية " جين موريس " في لحظة هوس، مما أدى به إلى السجن والحكم عليه بسبع سنوات، وهو حكم مخفف نتيجة مكانته الثقافية والسياسية.

ردود على "الرد بالقضيب: دونجوان أسود في بلاد الشقراوات"

أترك تعليقا

conter