الأحد، ديسمبر 21، 2008

وجع المستامي

بتاريخ 1:53 ص بواسطة عمار بن طوبال

كان يسير وحيدا، مهموما وحزينا، فالذي كان يشغل باله اكبر من أن يجعله ينتبه لوجوه المارة، والتحديق بمؤخرات الفتيات العابرات أمامه بشارع ديدوش مراد بقلب العاصمة، هو المغرم حد الثمالة بهذه العادة السيئة، التي كانت منذ أيام فقط هوايته المفضلة، حيث يقضي ساعات طوال متسكعا بشوارع العاصمة المكتظة، لا لشيء سوى لتحصيل تلك المتعة البصرية التي تزرع الدفء بقلبه وجسده النحيل.كان يسير وحيدا، مهموما وحزينا، مطأطأ الرأس يستحضر بمرارة ذلك الموقف الذي وجد نفسه فيه منذ يومين بمحطة الحافلات بالخروبة، لقد تعرض لإهانة أمام الجميع حين اتهمته فتاة لا يعرفها بسرقة هاتفها النقال، اتهام كلفه قضاء خمس ساعات بقسم الشرطة.. خرج من قسم الشرطة متورم الخد الأيمن ونازف الأنف ... فرجال الشرطة الغلاظ الطباع لا يتورعون عن إبراز عضلاتهم في حضرة اللصوص الظرفاء أمثاله...رغم أنه كان بريئا من تلك التهمة الباطلة إلا انه اخذ نصيبه من الاهانة اللفظية والجسدية.. إهانة كسرت روحه بشكل لم يتوقعه أبدا، هو المتعود على الاهانات منذ زمن لا يتذكره..ربما منذ لحظة الولادة الأولى ومنذ صرخة الميلاد الأولى التي تلتها صرخة والده الغاضب والثائر في وجه أمه وكل الحاضرين في المستشفى: من وين جبتي وجه الشر هذا إنه لا يشبهنيوفعلا لم يكن يشبه والده، لأن ولادته لم تكن سوى نتيجة مأساوية وغير متوقعة لنزوة امرأة متزوجة أرادت أن تعيش لحظات من الطيش والعشق المحرم، بعد أن ملت فراش زوجها البارد.كبر وحيدا، وحزينا ومهموما، ووجلا من نظرات والده الحادة والناقمة التي لم يكن يعرف لها سببا...وحدهم الأزواج المخدوعون من يكونون قادرين على معاقبة الأطفال الأبرياء على أخطاء لم يرتكبوها...ووالده المفترض عاقبه بصمت وتجاهل وحقد دفين، ذلك الحقد الذي كان قادرا على تشويه نفسيته واغتصاب براءة الأطفال في عينيه.كان يسير وحيدا، مهموما وحزينا، محاولا تذكر لحظات جميلة عاشها، لتنسيه تلك اللكمات القوية والسب والشتم الذي كاله له رجال الشرطة، لكن ذاكرته لم تسعفه في استحضار لحظة فرح أو محطة سعادة واحدة في حياته الممتدة على ثلاثين عاما من الأنين، وعشرة أعوام من التشرد واحتراف السطو والاعتداء على الآخرين.لقد اعتدى على الكثيرين وسرق مرات ومرات، وغرق في تعاطي كل الموبقات التي يعاقب عليها القانون، ولكنه كان دائما حريصا على أن لا يقع في قبضة الشرطة، وأن يبقى سجله العدلي نظيفا، ربما كانت رغبة دفينة بروحه لان يصير مواطنا صالحا في وقت ما، كان يريد ذلك في أعماقه رغم لحظات الانحطاط الكثيرة التي كان يعيشها، ورغم غرقه في الرذائل جميعا عن سبق إصرار، ولكن شيئا ما بالقلب كان يدعوه للسمو والرحيل بعيدا عن واقعه المنحط، شيء بالقلب زرعته هي...نسرين، تلك الفتاة الخارقة للعادة وحبيبته الاسطورية التي التقاها يوما فسكنت قلبه دوما، وأورثته أملا وألما. تلك الشفافة النظرات التي التقاها في شارع السعادة المكتض، في صباح السعادة الممطر ذاك، حين انزلقت على الاسلفت المبتل فوقعت بين يديه وفي قلبه..أشعلت الدفء في روحه وجسده ..هو المشتاق بكل حرقة العاشقين انظرة حانية تشع في قلبه نورا ..نظرة من عيون تلحظه بخجل ..وكلمات شكر متناثرة وخجلة وواعدة بمشاعر لم يختبرها ولم يدرك معناها الا بعد ايام وايام عندما غابت تلك الفاتنة وابتعدت ورزعت بالقلب غصة وحنين..كان يسير وحيدا، مهموما وحزينا، تؤرقه الذكريات ووجع الاهانات واللكمات، موجوعا حتى العظم، يستحضر عينيها في عيون كل العبارات امامه في شاردع ديدوش مراد، شارع السعادة والألم الذي التقاها فيه يوما فسكنت قلبه دوما.

ردود على "وجع المستامي"

أترك تعليقا

conter