تثوير اللغة تمهيدا لميلاد الرواية الجزائرية
لا يمكن الحديث عن الرواية الجزائرية المعاصرة، أو بعبارة أكثر تداولا الرواية الجزائرية الجديدة، رواية جيل الشباب التي هي تجربة متفردة في المتن الروائي الجزائري الحديث، دون الرجوع للحظات التأسيس الأولى للنص الروائي الجزائري المكتوب بالعربية، وتحديد إلى رضا حوحو الذي يعتبر أول من كتب نص روائي جزائري في شكله البدائي سنة 1947 من خلال روايته " غادة أم القرى " التي أهداها للمرأة الجزائرية الرازحة تحت نير القيم البالية، وكأن بالراحل العظيم يريد التأكيد على ما للرواية كجنس منفلت من الأساليب العتيقة والدينية للغلة العربية في تلك الفترة، من قدرة على تجاوز العوائق والانطلاق لآفاق أرحب تعانق الحداثة الأدبية والاجتماعية وتقيم قطيعة مع ماض بائس ومنحط، إذا، فرضا حو ونصه الأساسي والتأسيسي للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية: " غادة أم القرى"، يعد مرجعا مهما في تاريخ الرواية الجزائرية، على الرغم من أن غالبية النقاد يؤرخون فعليا لميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية بنص " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة 1971 والنصوص اللاحقة للطاهر وطار الذي يعتبر بحق أب الرواية العربية في الجزائر.
إن ما قدمه رضا حوحو للرواية الجزائرية لا يمكن تجاوزه ببساطة، لان عمل حوحو كان انقلابا داخل اللغة العربية المستعملة في الجزائر، فهو الذي اخرج اللغة إبداعيا من دائرة الخطابات الوثوقية المتسربلة بمرجعية دينية تؤيد هذا الميل نحو وثوقية دينية في استعمال اللغة العربية، فقد منح روحا قلقة للغة العربية في نصه الإبداعي فعل ذلك انطلاقا من قناعات فكرية معينة توفرت لديه بفعل ثقافته المزدوجة العربية والفرانكوفونية، وبفعل حسه الوطني الرفيع، وإيمانه بضرورة إخراج الثقافة العربية في الجزائر من ركودها ومن مرجعياتها الدينية المحضة، تلك القناعات التي كلفته الكثير في حياته، بل إنها كلفته حياته في نهاية المطاف.
إن ما قدمه حوحو للثقافة الجزائرية على قلته، لا يقل تأثيرا عما قدمه غوغول للقصة القصيرة الروسية التي يعتبر مؤسسها الفعلي، حيث خرجت من معطفه نصوص عظيمة وذات تأثير لا يمكن إنكاره على القصة الروسية والعالمية أيضا.
لقد طرح نص " رضا حوحو "غادة أم القرى" الذي عبد الدرب للكتابة التخيلية الآتية، عدة قضايا تتعلق أولا بالانتماء للجنس الروائي و بقدرة اللغة العربية على ولوج عالم الكتابة الروائية ثانيا "، فعمل رضا حوحو في جسد اللغة العربية المستعملة في الجزائر كان انقلابيا، بحيث فتح أمامها آفاقا رحبة لولوج مساحات تعبيرية لم تكن متوفرة لها، بسبب سيطرة اللغة الإصلاحية لرجال جمعية العلماء المسلمين على الساحة الأدبية الجزائرية وتركيزهم على الشعر والمقالة الإصلاحية، مع ابتعادهم التام عن الأجناس الحداثية في الأدب العربي، وخصوصا الرواية التي نظر إليها الكثير من المثقفين العرب في بداياتها الأولى كجنس مرذول ومنحط لا يقترب منه ذوو الألباب وفرسان البيان، ربما هذه النظرة التحقيرية التي رافقت نشوء الرواية العربية هي التي جعلت محمد حسين هيكل وهو ينشر أول رواية عربية سنة 1914 يوقعها باسم فلاح مصري خشية من رد الفعل العام على كتابه نصا لا يحظى بأي احترام من طرف غالبية الكتاب والمثقفين وحتى من طرف عموم القراء، وهو نفس الأمر الذي جعل رضا حوحو يكتب نصه الأول بعيدا عن الجزائر، فقد كتبه في مكة ونشره في تونس سنة 1947، وكأن جزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن مهيأة بعد لدخول عصر الرواية وفتح باب من أبواب الحداثة الاجتماعية والأدبية في الثقافة الجزائرية. رغم التغيرات الجذرية والعميقة التي حدثت في الوعي الجزائري نتيجة الاحتكاك بالنهضة الثقافية في المشرق العربي من جهة، ونتيجة اشتداد الوعي بالذات الوطنية الذي أذكته الحركة الوطنية الرامية لنشر فكر ووعي جديدين يتخلصان من سلبية المرحلة السابقة التي تميزت بنوع من المهادنة اتجاه المستعمر الفرنسي بعد انهزام المقاومات الشعبية المتعددة، فالحركة الوطنية لم تكن مجرد حركة سياسية كانت تهدف للاستقلال أو الاندماج مع فرنسا في ظل شروط معينة، غنما كان نشاطها في أوساط عامة الشعب وتأثيرها على المثقفين بالغا وجذريا أدى لنشوء وعي جديد، هذا الوعي اوجد هو الآخر وسائل تعبير خاصة به، تجلت وسائل التعبير هاته أساسا في الرواية، وفي شعر المقاومة.
فقد تغير النظام المستكين للأشكال السردية والأجناس المهيمنة وانفتح المجال أمام جنس الرواية لتعبر عن نفسها فغي نفس الوقت الذي حدث فيه تطوير وتحديث للغة العربية المستعملة في الجزائر والتي ظلت إلى غاية ذلك التاريخ ( بعد الحرب العالمية الثانية ) متخلفة مقارنة بعربية المشرق وحتى باللغة المستعملة في تونس أو المغرب، يجد هذا التخلف تبريره الموضوعي في عمل المستعمر الفرنسي على طمس هذه اللغة ومحاربتها بشكل افقدها الكثير من حيويتها وركنها في ركنها في زاوية التوظيف الديني المحض البعيد عن ارتعاش وقلق الإبداع وأبقاها في كلاسيكيتها التي لم تتجدد إلا بفعل نشوء وعي جديد رافق صعود الحركة الوطنية وتأكيدها على تفرد الذات الجزائرية واستقلالها عن الذات والهوية الفرنسية وأسلحتها الحضارية التي تعتبر اللغة الفرنسية أقواها تأثيرا وأكثرها إغراءا في نفس الوقت.
ومما سبق نقول بأن لحظة التأسيس الأولى للكتابة الروائية الجزائرية باللغة العربية كانت مع رضا حوحو الذي رافق فتحه الروائي باللغة العربية تغيرات عميقة مست المجتمع الجزائري ورافقت وعيا جديدا سمح بالانفتاح على جنس الروائي الذي هو جنس حداثي بامتياز، وقادر على قول الاختلاف والدعوة إليه في نفس الوقت، وهذا ما فعله رضا حوحو وهو ينفلت عبر " غادة أم القرى" من معيارية ووثوقية لغة القرآن.
ولكن تأصيل الرواية العربية كان لاحقا مع عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار تحديدا، فقد انتظرت الثقافة الجزائرية ربع قرن كامل حتى يأتي بن هدوقة سنة 1971 ويمنح مشروعية لعمل حوحو عن طريق كتابة أول نص روائي جزائري باللغة العربية يتميز بكل المواصفات الفنية للرواية كجنس أدبي.
لا يمكن الحديث عن الرواية الجزائرية المعاصرة، أو بعبارة أكثر تداولا الرواية الجزائرية الجديدة، رواية جيل الشباب التي هي تجربة متفردة في المتن الروائي الجزائري الحديث، دون الرجوع للحظات التأسيس الأولى للنص الروائي الجزائري المكتوب بالعربية، وتحديد إلى رضا حوحو الذي يعتبر أول من كتب نص روائي جزائري في شكله البدائي سنة 1947 من خلال روايته " غادة أم القرى " التي أهداها للمرأة الجزائرية الرازحة تحت نير القيم البالية، وكأن بالراحل العظيم يريد التأكيد على ما للرواية كجنس منفلت من الأساليب العتيقة والدينية للغلة العربية في تلك الفترة، من قدرة على تجاوز العوائق والانطلاق لآفاق أرحب تعانق الحداثة الأدبية والاجتماعية وتقيم قطيعة مع ماض بائس ومنحط، إذا، فرضا حو ونصه الأساسي والتأسيسي للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية: " غادة أم القرى"، يعد مرجعا مهما في تاريخ الرواية الجزائرية، على الرغم من أن غالبية النقاد يؤرخون فعليا لميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية بنص " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة 1971 والنصوص اللاحقة للطاهر وطار الذي يعتبر بحق أب الرواية العربية في الجزائر.
إن ما قدمه رضا حوحو للرواية الجزائرية لا يمكن تجاوزه ببساطة، لان عمل حوحو كان انقلابا داخل اللغة العربية المستعملة في الجزائر، فهو الذي اخرج اللغة إبداعيا من دائرة الخطابات الوثوقية المتسربلة بمرجعية دينية تؤيد هذا الميل نحو وثوقية دينية في استعمال اللغة العربية، فقد منح روحا قلقة للغة العربية في نصه الإبداعي فعل ذلك انطلاقا من قناعات فكرية معينة توفرت لديه بفعل ثقافته المزدوجة العربية والفرانكوفونية، وبفعل حسه الوطني الرفيع، وإيمانه بضرورة إخراج الثقافة العربية في الجزائر من ركودها ومن مرجعياتها الدينية المحضة، تلك القناعات التي كلفته الكثير في حياته، بل إنها كلفته حياته في نهاية المطاف.
إن ما قدمه حوحو للثقافة الجزائرية على قلته، لا يقل تأثيرا عما قدمه غوغول للقصة القصيرة الروسية التي يعتبر مؤسسها الفعلي، حيث خرجت من معطفه نصوص عظيمة وذات تأثير لا يمكن إنكاره على القصة الروسية والعالمية أيضا.
لقد طرح نص " رضا حوحو "غادة أم القرى" الذي عبد الدرب للكتابة التخيلية الآتية، عدة قضايا تتعلق أولا بالانتماء للجنس الروائي و بقدرة اللغة العربية على ولوج عالم الكتابة الروائية ثانيا "، فعمل رضا حوحو في جسد اللغة العربية المستعملة في الجزائر كان انقلابيا، بحيث فتح أمامها آفاقا رحبة لولوج مساحات تعبيرية لم تكن متوفرة لها، بسبب سيطرة اللغة الإصلاحية لرجال جمعية العلماء المسلمين على الساحة الأدبية الجزائرية وتركيزهم على الشعر والمقالة الإصلاحية، مع ابتعادهم التام عن الأجناس الحداثية في الأدب العربي، وخصوصا الرواية التي نظر إليها الكثير من المثقفين العرب في بداياتها الأولى كجنس مرذول ومنحط لا يقترب منه ذوو الألباب وفرسان البيان، ربما هذه النظرة التحقيرية التي رافقت نشوء الرواية العربية هي التي جعلت محمد حسين هيكل وهو ينشر أول رواية عربية سنة 1914 يوقعها باسم فلاح مصري خشية من رد الفعل العام على كتابه نصا لا يحظى بأي احترام من طرف غالبية الكتاب والمثقفين وحتى من طرف عموم القراء، وهو نفس الأمر الذي جعل رضا حوحو يكتب نصه الأول بعيدا عن الجزائر، فقد كتبه في مكة ونشره في تونس سنة 1947، وكأن جزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن مهيأة بعد لدخول عصر الرواية وفتح باب من أبواب الحداثة الاجتماعية والأدبية في الثقافة الجزائرية. رغم التغيرات الجذرية والعميقة التي حدثت في الوعي الجزائري نتيجة الاحتكاك بالنهضة الثقافية في المشرق العربي من جهة، ونتيجة اشتداد الوعي بالذات الوطنية الذي أذكته الحركة الوطنية الرامية لنشر فكر ووعي جديدين يتخلصان من سلبية المرحلة السابقة التي تميزت بنوع من المهادنة اتجاه المستعمر الفرنسي بعد انهزام المقاومات الشعبية المتعددة، فالحركة الوطنية لم تكن مجرد حركة سياسية كانت تهدف للاستقلال أو الاندماج مع فرنسا في ظل شروط معينة، غنما كان نشاطها في أوساط عامة الشعب وتأثيرها على المثقفين بالغا وجذريا أدى لنشوء وعي جديد، هذا الوعي اوجد هو الآخر وسائل تعبير خاصة به، تجلت وسائل التعبير هاته أساسا في الرواية، وفي شعر المقاومة.
فقد تغير النظام المستكين للأشكال السردية والأجناس المهيمنة وانفتح المجال أمام جنس الرواية لتعبر عن نفسها فغي نفس الوقت الذي حدث فيه تطوير وتحديث للغة العربية المستعملة في الجزائر والتي ظلت إلى غاية ذلك التاريخ ( بعد الحرب العالمية الثانية ) متخلفة مقارنة بعربية المشرق وحتى باللغة المستعملة في تونس أو المغرب، يجد هذا التخلف تبريره الموضوعي في عمل المستعمر الفرنسي على طمس هذه اللغة ومحاربتها بشكل افقدها الكثير من حيويتها وركنها في ركنها في زاوية التوظيف الديني المحض البعيد عن ارتعاش وقلق الإبداع وأبقاها في كلاسيكيتها التي لم تتجدد إلا بفعل نشوء وعي جديد رافق صعود الحركة الوطنية وتأكيدها على تفرد الذات الجزائرية واستقلالها عن الذات والهوية الفرنسية وأسلحتها الحضارية التي تعتبر اللغة الفرنسية أقواها تأثيرا وأكثرها إغراءا في نفس الوقت.
ومما سبق نقول بأن لحظة التأسيس الأولى للكتابة الروائية الجزائرية باللغة العربية كانت مع رضا حوحو الذي رافق فتحه الروائي باللغة العربية تغيرات عميقة مست المجتمع الجزائري ورافقت وعيا جديدا سمح بالانفتاح على جنس الروائي الذي هو جنس حداثي بامتياز، وقادر على قول الاختلاف والدعوة إليه في نفس الوقت، وهذا ما فعله رضا حوحو وهو ينفلت عبر " غادة أم القرى" من معيارية ووثوقية لغة القرآن.
ولكن تأصيل الرواية العربية كان لاحقا مع عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار تحديدا، فقد انتظرت الثقافة الجزائرية ربع قرن كامل حتى يأتي بن هدوقة سنة 1971 ويمنح مشروعية لعمل حوحو عن طريق كتابة أول نص روائي جزائري باللغة العربية يتميز بكل المواصفات الفنية للرواية كجنس أدبي.
ـــــــــــــــــــــــــ
للمقالة مراجع.