تكتب رواية البطل الإشكالي إنسانا يئن تحت العبء الوجودي للتنافر discordance مما يكسبه وعيا شقيا يجعله لا يلتقي بما يؤمن به في واقعه، فيكون البحث المستمر هو عنوان حياته الأبرز، على العكس من ذلك تكون الروايات الوجدانية والعاطفية متصالحة مع الواقع والتي ما هي في النهاية سوى إعادة إنتاج سردي لرؤية شعرية تستدعي التوافق concordance وتمجده. إنها تمنح راحة البال للقاريء، وهي لا تختلف كثيرا عن دروس وتعاليم التنمية البشرية التي تحل كل مشاكل الفرد في جملة عبارات، اختصارها أنت تستطيع. تلتقي هذه الرؤية التوافقية أيضا مع الرؤية الدينية ذات الطابع المعياري والتي غالبا ما تسوق حلولا جاهزة ومعلبة لكل المشاكل المطروحة على الفرد والمجتمع، وفي أحيان كثيرة حل واحد لمجموعة مشاكل تبدو متنافرة ولا رابط بينها. انها تنتج رؤى وتسوق خطابات مريحة، ومع أنها غير منتجة في الواقع الاجتماعي إلا كتسكين، إلا أنها مقبولة وغالبا ما يقبل عليها الأفراد ويتعاطونها كحلول مقدسة، ومقنعة، وهذا هو الغريب. على العكس من ذلك تقف الخطابات العلمية، وخطابات العلوم الاجتماعية خاصة التي تشترك مع تصور روايات البطل الإشكالي، في كونها فاقدة للثقة واليقين في القدرة على الجزم والوصول لنتائج لها طابع الديمومة، وبالتالي عاجزة عن تسويق ملاءمتها للواقع الاجتماعي ومشاكله وأزماته كخطابات مقنعة تحضى بقبول جماعي، رغم مردوديتها النسبية وقدرتها على إيجاد الحلول الجزئية والطويلة الأمد، الحلول التي لا تعبد الطريق إنما تشير إليه. تقف تلك الخطابات وحيدة مشكوك فيها ومنظور إليها بارتياب، ومجتنبة من طرف المجتمع الذي لا يبحث عن حلول يتعب في الوصول إليها والصبر على عنتها وتضحياتها، إنما تغريه الحلول الجاهزة التي تسوق في خطابات براقة تقنعه بأنه قادر ويمكنه أن يفعل، دون أن تأخذ بيده لمبتدأ الفعل ومسيرته لطويلة. حين نلاحظ أن روايات المنفلوطي وجبران خليل جبران وعبد الحليم عبد الله وإحسان عبد القدوس وغيرها من الروايات الرومانسية التي تصور عالما ممكن التمثل بسهولة لا تزال تقرأ على نطاق واسع من طرف أجيال متتالية في الوطن العربي، نفس الأجيال التي تحجم عن، وتتجنب الاقتراب من روايات بوجدرة وصنع الله إبراهيم وعبد الرحمان منيف نفهم أننا لم ندخل بعد زمن الرواية لأننا لم ندخل بعد زمن الحداثة. زمن البحث الذي لا ينتهي عن حلول مبتكرة وأصيلة لمشاكلنا وأزماتنا الفردية والمجتمعية.
الاثنين، ديسمبر 14، 2015
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)