هناك حالة من التذمر وعدم الشعور بالرضا التي تنتشر بقوة وتتزايد لدى فئات واسعة من النساء المتزوجات حديثا، وبالتالي فشل الكثير من الزواجات، حيث لا الرجل راضي عن زوجته ولا هي راضية عنه، لقد تغير وعي كل واحد اتجاه علاقته بالأخر لصالح نزعة تمجد شيئا من الحرية والاستقلالية والرغبة في خلق مساحة للحياة الخاصة، تكون للفرد وحده دون شريكه ( زوجه)، رغم كون هذه الرغبة في خلق تلك المساحة غالبا ما ينظر إليها من طرف الشريك كتمرد وكخروج عن القالب المتصور مسبقا للزواج ولدور كل طرف فيه ولمدى التشارك المطلوب، إن الزوج خاصة، ينظر لتلك الرغبة في الخصوصية التي تبديها زوجته كنوع من " الخيانة" أو كأحد الأسباب التي يمكن أن تؤدي إليها، لهذا ينظر بارتياب شديد لهذا الأمر خاصة في بداية العلاقة عبر الخطوبة وسنة الزواج الأولى قبل مجيء الأطفال الذي سيغير الكثير من الأمر.
لكن ما يعمق الأزمة بين الطرفين هو كون الإثنين لا يعبران صراحة عما يريدان، بل، وهذا هو الأسوأ، يقولان عكس ما يضمران، وما يرغبان فيه فعلا وحقا، حيث لا يعترفان ولا يتصارحان بما يريدان خوفا من سوء التأويل، وإساءة الفهم التي قد تعمق المشكلة التي يحس كل طرف في بداية العلاقة بأنها أصلا عميقة وتهدد بشكل جدي استمرارية الزواج، لهذا نجد أن المرأة تتحدث بصوت جدتها ويتكلم الرجل بعقل أبيه، لكن كل واحد منهما يسلك سلوكا مغايرا لما يقوله، وينتظر من الأخر أن يكون صادقا فيما يقول ومخلصا لما يعلنه من أفكار والتزامات،دون أن يشعر هو أنه ملتزم بتنفيذ قوله السابق.
هذه إشكالية المجتمعات التي تعيش حداثة هجينة، تمجد الماضي قولا وتتجاوزه فعلا، وتحاكم فعل الحاضر بقيم الماضي، وهذا ما يخلق الأزمة التي تتعمق وتفتت الكثير من العلاقات التي كانت في الماضي تحضى بديمومة ومتانة لا يطالها تصدع، وصارت الآن هشة وتجابه دوما بعدم الرضا والتذمر من مختلف الأطراف الذين يشكلون أطراف تلك العلاقة، خاصة في موضوع الزواج، فكل امرأة تقبل فرحة على عش الزوجية غالبا ما تصاب بخيبة ولا يمضي عام حتى تبدأ في البحث عن تنفيس لتلك الخيبة قد يكون الطلاق وقد تكون المشاكل التي لا تنتهي وقد يكون قمع رغباتها وتطلعاتها بشكل حاد، وقد يكون شيء من البراغماتية التي ترضي الزوج في البيت وترضي رغباتها في الخارج بما في ذلك الخارج الافتراضي، وعلاقاتنا الفايسبوكية تطلعنا يوميا عن الكثير من حالات الخيبة ومن النساء المتذمرات، كما تطلعنا على الكثير من الرجال الخائنين والذين حسموا أمرهم بأن الزوجة صارت تعني بيت وطبخ وأولاد وأنه لم يعد قادرا على الالتزام اتجاهها بأكثر من المتطلبات البيولوجية والتمظهر الاجتماعي، أما نفسيا فإنه يبحث عن ملاذ وسلوى بعد خيبته في الزوجة التي لم تكن كما توقع وانتظر. هذه الحالة المتشنجة غالبا ما تكون بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية وهشاشة التكوين النفسي للكثيرين، سببا في انتشار الطلاق كظاهرة في طريقها للتطبيع في المجتمع الجزائري الذي لم يعد ينظر للمرأة المطلقة كأنها فضيحة كما في السابق، بعد أن صار عدد المطلقات والمطلقين يتزايد بشكل كبير وملحوظ خلال السنوات الأخيرة، خاصة في المدن وبين فئة النساء المتعلمات / المتطلعات اللواتي يتمتعن باستقلال اقتصادي يجعلهن يشعرن بكرامة زائدة اتجاه العلاقة الزوجية التي تبدو لهن، بشكلها الحالي الذي ينتظم ضمن قيم ماضوية رغم حداثة مظهره، مبنية على امتهان للمرأة واحتقار لدورها كشريك في بناء الأسرة، خاصة مع تزايد مساهمتها في الجانب الاقتصادي للأسرة، وهذا ما يعمق حالة عدم الرضا والتذمر والشعور بالخيبة التي لا تستطيع الأمهات والجدات، تفهمها وقبولها لأنهن لم تشعرن بها في السابق، حيث كانت طبيعة العلاقة واضحة والأدوار لا خلاف حولها ولا اختلاف في تفسير طبيعتها.