يا عزيزتي للنسيان فضائل، أهمها واجلها أنه يمكننا من تخطي حالة الجنون التي نكاد نصلها بفعل فقد عزيز أو خيانة حبيب.
هذا ليس نسيان إنما تناس، فكثيرا ما نعجز عن النسيان وتؤرقنا ذاكرة الصوت الذي يسكننا كلما حاولنا نسيانه.
أنا في حياتي حكاية .. حقيقة ... هم ووهم... أسطورة اسمها آية لا يصدق بوجودها في هذا العالم غيري أحاول نسيانها ونسيان مكرها ولؤمها وشيطانيتها الخبيثة أو البريئة لم اعد أردي.
وكلما حاولت فعل ذلك؛ أي حاولت أن أنسى، أجدني عاجزا عن ذلك، لهذا نسامح ولا ننسى. نسامح من وجعنا من آلمنا كثيرا سواء قصد ذلك أم لم يقصد نسامحه رغم انه قد لا يستحق حتى السماح، نفعل ذلك فقط لأننا نحبه بعمق ولا نستطيع أن نحقد عليه رغم كل الخراب الذي تركه في الروح التي آمنت به يوما.
نسامحه كما سامحت أنا كثيرا ... تلك التي لم تكن تستحق أن أسامحها منذ البداية .. منذ أول كذبة.
يا عزيزتي الآن بعد أن تجاوزت الهوس بالصوت الذي يأتيني هاتفا ضاحكا أو باكيا أو معاتبا... الآن أدرك كم كنا أغبياء أنا وقلبي وعقلي حين صدقنا جميعا ما لا يصدق حين صدقنا بوجود امرأة مكمولة البياض ومجمولة الصفات وملائكية القلب والجسد .... يااااه، يا ذلك الغباء الذي اخجل منه الآن.
تلك الآية يا عزيزتي آيتي أنا وحدي التي لم ينزلها الله لغيري من العالمين صدقتها وآمنت بها فقادتني لمشارف الجنون وبطهرها المزعوم أفقدتني طهري وصدقي وثقتي بكل المشايّات... هل تذكرين حكاية المشّايات وحكاية لو لنت لغيرك لما وصلت إليك ... وهل تذكرين حديث اللهو ليلا مع شخص غير مؤدب زعمت بنزعتك التطهرية المقيتة انه شقيقك ... هل تذكرين حكاية شروق ابنة أختك البريئة التي لوثتي اسمها حين وظفته في حكاية آثمة مع اعز صديق...أكيد لا تذكرين رغم أن الذكرى تقلتلني أنا الذي يسعى للنسيان ...
عزيزتي منذ سنة حققت حلما كان مشتركا بيننا... حققته وحدي ولم أكن أدري أن تحقيقه سيكون نهاية لكل ما يربطني بك كأنك كنت حلما حين تحقق فقد كل بريقه وجاذبيته ... هل كنت حلما أم وهما... أم أن جمالك المزعوم الذي طالما كان مصدر فخرك وشعرك الأصفر الطويل الذي تتباهين به على نساء العالمين كان كابوسا التف حول عنقي في قيلولة صيف لم أتعود على أخذها، فاستقضت مفزوعا منه معتقدا أنني هربت من ضيق التنفس الذي سببه لي لأكتشف لاحقا بعد أيام وشهور وسنوات مرت على أول كلمة سمعتها منك أتتني منذرة بالخراب عبر الهاتف: ألو كريم. في تلك الراء التي تنطقينها مشددة فتثير رغبة في الضحك حين نسمعها أول مرة قبل أن نتعود عليها ونحبها، لأكتشف انك كابوس دائم الحضور وحلم لا يتحقق إلا هنيهات في لحظات صفاء لم تكن كثيرة بيننا، تذكرين حديثا كان بيننا ذا شجون، عن عيون سماوية أفقدتني راحة بالي، عن التماعات العقل في ح ضرة الحنين ... عن حبات الكرز الفرنسية المبهرة الجمال والتي لا طعم لها ...عن أول عيد قضيته هناك ... وهناك في فرنسا التي صار يعجبك الانتماء إليها لم تجد سوى حطام فرحة تكسرت في الطريق قبل أن تبلغ قلبك ... هل تذكرين حديثا كان بيننا ذات صباح عن ابن خلدون وعن سليمان الأشقر الذي عرفته عن طريقك كوني لا أقرا كتب رجال الدين، وبعد ذلك اكتشف انه ضليع في كتب السحر والشعوذة... السحر... لا شيء آخر أفسر به انشدادي لك بتلك الطريقة، بذلك الوله المنقطع النظير، بتلك الاستسلامية والتسليم الذي أبديه معك كما لم أبديه مع غيرك، بكل ذلك الضعف الذي أحسه معك ويخجلني من ذاتي، هل لأنني أحببتك كما لم يحب رجل امرأة، وبكيتك حين خسرتك كما لا يبكي الرجال ... أتساءل كثيرا من أنت بالنسبة لي أتساءل بقول أرسطو لما هو سئل: من هو الصديق؟. فأجاب: إنسان هو أنت إلا انه بالشخص غيرك!... فهل كنت أنت أنا في شغفك وفي خياناتك أيضا ... فانا بقدر ما أحببتك بقدر ما خنتك وبقدر ما صارحتك بخياناتي لك بعد الذي كان بيننا... صارحتك بخياناتي بعدد المرات التي أنكرت أنت فيها خياناتك ... هل خنتني حقا؟! كان يهمني جدا أن اعرف الإجابة عن هكذا سؤال جارح وقاتل ... الآن لم يعد يهم بعد أن ارتحلت أنت وحبك وأيام الوله والبله التي عشتها أسيرا لحب كان قدره أن لا يكتمل، بعد أن رحلت إلى تلافيف الذاكرة المتعبة بك، فآيتي التي لم ينزلها الله لغيري من العالمين صارت شيء من الماضي مضى وانقضى دون أن استطيع نسيانه لحد الآن.
هل قدر الحب الذي عشناه وهما جميلا وجارحا لكلينا أن يكون عابر سبيل لا يعرف مقصده .... مثل الريح تماما لا تترك الأشياء من خلفها على حالها؟؟؟